“عيش الحسين”

من الأمثال الشعبية الجميلة في البحرين “اللي يعزي واللي ما يعزي ياكل من عيش الحسين”, وفي طياته معانٍ وقيم راقية يبدو بأننا (خاصة الجيل الجديد) لم نعشها عن قرب, وربما تناساها الجيل الآباء الذي تأثر بصعود التيارات الإسلامية الأصولية في صفوف أهل السنة والجماعة والطائفة الشيعية الكريمة – وفي البحرين خاصة – بعد اندلاع الأحداث المؤسفة في فبراير ومارس 2011م.

من الوهلة الأولى قد يرى القارئ بأن المقصود من المثل الشعبي بأن الرزق يأتيك سواء قمت بالعمل أو لم تقوم به وقد يفهم بأنه دعوة للاتكالية والكسل ولكن لنستخلص منه قيم أسمى وما أحوجنا بها اليوم!

ثقافة الاختلاف وقبول الآخر

أرض البحرين منذ قرون طويلة جمعت بين الطائفتين الكريمتين وكان قدر البحرينيين بأن يعيشوا ويترعرعوا ويتربوا في نفس الفرجان و”الدواعيس” خاصة في مدينتي المنامة والمحرق, فكان من الطبيعي بأن تساهم العائلات “السنية” الذين عاشوا في محيط المآتم والحسينيات في إعداد ولائم موسم عاشوراء ومشاركة جيرانهم.

وفي المقابل, لم تطال “الاسقاطات الكربلائية” و”نحن حسينيون وأنتم يزيديون” تجاه الجيران والأخوة من أهل السنة والجماعة, بعكس ما نعيشه اليوم حيث ترفع كشعارات ورايات تعلو البيوت والشوارع الداخلية للأسف الشديد.

فالاستقرار الذي ننشده جميعاً لا يتحقق إلا بالعودة لقيمنا من احترام للطوائف المختلفة وقبول الآخر لا السعي لهدمه أو التنكيل به.

حسن الجيرة

من أبرز علامات الترابط الاجتماعي في مجتمعنا هو تبادل الموائد وتقديم الطعام للأسر المتعففة, و”عيش الحسين” لم يغيب عن هذا الدور الاجتماعي الهام في تقوية روابط الأخوة والمحبة بين أبناء الفريج.

بينما في ذروة الانقسام الطائفي بعد أحداث فبراير 2011م, وقعت بعض المناوشات والمواجهات بين أبناء الفريج الواحد في موسم عاشوراء, ولا يغيب عن ذاكرتي المنظر المؤلم  لفريج “البنعلي” والشوارع تغطيها شظايا زجاج السيارات المكسور والحصى نتيجة مواجهات بين أهالي الفريج حيث أهل السنة أرادوا منع مسيرة العزاء من المرور رداً على أعمال الحرق والتخريب التي وقعت في المنطقة من قبل بعض الشباب المغرر بهم.

كما نجد في الآونة الأخيرة تزايد الشكوى من ارتفاع صوت مكبرات المآتم الذي بات مصدر ازعاج خاصة في بعض المناطق “المختلطة” والكثير منها تصل لتقديم بلاغات لدى الشرطة, لو أن الأفضل أن يتم هناك تفاهم بين أهالي المنطقة حول مكبرات الصوت الخارجية بتشغيلها أو عدمها لا استدعاء الشرطة في كل مرة.

الحث على المشاركة في مختلف المناسبات

من العادات الحميدة لجلالة الملك تقديم المكرمة السنوية لمختلف مآتم البحرين بمناسبة عاشوراء, كما أن لا يخلو بيتاً من بيوت شعب البحرين من لم يشهد لو مرة مسيرات العزاء في المنامة أو غيرها من المناطق, فمراسيم العزاء في عاشوراء أمر متجذر في الهوية البحرينية مهما اختلفنا مذهبياً.

حرية المعتقد والعبادة

البحرين تفخر دوماً بأنها أرض التسامح الديني ومن يتجول في أزقة المنامة يجد المسجد السني بالقرب من المأتم والكنيسة ومعبد الهندوس, وطالما كانت هناك رعاية رسمية لشعائر عاشوراء وممارستها بكل يسر وحرية بشهادة كبار علماء الشيعة بالبحرين.

وما نشهده في الآونة الأخيرة من إزالة بعض الرايات والمجسمات والمضائف الحسينية في القرى ذات أغلبية شيعية سيروج بأنها انتهاكات واضطهاد ضد الشيعة, وبالإمكان التغلب على مثل هذه المشاكل بالتنسيق والتعاون بين المآتم وأهالي القرى مع الجهات المعنية كالمحافظات والبلديات في إصدار التراخيص لتشييد المجسمات في الساحات بدون قطع الطرق الرئيسية  والتأكيد على نظافة وسلامة المضائف من أجل سلامة المواطنين والمعزين, بجانب تحديد أماكن رفع الرايات الحسينية بالقرب من المآتم والبيوت المجاورة والابتعاد عن الشوارع الرئيسية مراعاة بمشاعر ومعتقدات الآخرين.

فالحلول الحضارية متوفرة وبكثرة وعلينا جميعاً الابتعاد عما يثير الطائفية وما يوقد الكراهية بين أبناء الوطن الواحد, وهذه الحلول ليست صعبة أو بعيدة المنال عن أبناء البحرين الأوفياء.

أضف تعليق